عرفنا في درس سابق أن الاستعارة من المجاز اللغوي وأن العلاقة المعتمدة فيها هي المشابهة بين المعنى المذكور والمعنىالمحذوف.
واليوم نعرف مجازا لغويا آخر وهو المجاز المرسل.
1- قال المتنبيّ:
له أيادٍ عليّ سَابِغة ... أُعَدّ منها وَلا أُعدِّدها
2- قال تعالى:{وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا}غافر:13
3- قال شاعر:
كم بعثنا الجيش جرّا .... رًا وأرسلنا العيُونَا
4- قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}نوح:7
5- قال تعالى:{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}النساء:2
6- قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}نوح:27
7- قال ابن حمديس:
لا أركب البحر إني ... أخـاف مـنه المعـاطـب
طين أنا وهو ماء ... والطين في الماء ذائب
8- قال تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} الانفطار:13
إيضاح:
1- تأمل قول المتنبي تجد أنه لا يقصد الأيدي الحقيقية بل يريد بها النّعم التي تمنحها الأيادي،فكلمة أَياد هنا مجازٌ،ولكن ما العلاقة بين الأَيدي والنعم؟ بسهولة ستدرك أنها ليست المشابهة وكما عرفت فيما سبق أنّ لكل مجاز علاقة،والمعروف أَنَّ العرب لا يستعملون معنى مكان معنى آخر إِلا إذا وُجدت صلة وعلاقة بين المعنيين؟ ركّز جيّدا تدرك أَنَّ اليد هي التي تمنح النعمة فهي سببٌ فيها،فالعلاقة إِذًا السَّببية.
2- وبملاحظة قوله تعالى:{ويُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السماءِ رزْقاً}؛تدرك أنّ الرزق لا ينزل من السماءِ وإنّما ينزل سببه وهو المطر،فالرزق مسَّببٌ عن المطر،فهو مجاز علاقته المُسبَّبية.
3- وبالتفكير في كلمة العيون في البيت تجد أنّ الشاعر أطلق الجزء (العيون) وأراد الكل (الجواسيس) وذكر هذا الجزء لأهميته في عمل الجاسوس،فهذا مجاز علاقته الجزئية.
4- أما في قوله تعالى:{جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ في آذَانهمْ} فإنَّ الإنسان لا يستطيع أنْ يضع إِصبعَه كلها في أُذنه،ولكنّ الله أطلق الكل (الأصابع) وقصد الجزء (أطرافها) فهذا مجاز علاقته الكلية.
5- وإذا تأمّلت قوله تعالى:{وآتُوا الْيتَامى أمْوَالَهم} تدرك أَنَّ الله لم يطلب منّا إعطاء المال لليتيم وهو صغير حتّى لا يضيّعه ولكنّه يقصد اليتيمَ الذي بلغ سنّ الرشد،والمقصود أعطوا المال إلى أصحابه البالغين الذين كانوا يتامى،فهذا مجاز فكلمة اليتامى هنا مجاز علاقته اعتبار ما كان.
6- أما في قوله تعالى:{ولا يلِدُوا إِلاَّ فاجرا كفارا} فأنت تجد العكس فقد ذكر سيدنا نوح الولد باعتبار أنه عندما يكبر سيكون حسب تجربته مع قومه فاجرًا وكفارًا لأنك تعرف أن الولد يولد على الفطرة مؤمنا،فهذا مجاز علاقته اعتبار ما يكون.
7- أَما البحر في بيت ابن حمديس فالمقصود منه هو السفينة التي تمشي في البحر،وبتفكير بسيط تجد أن الشاعر أُطلق المَحَلّ وأراد الحالَّ فيه،فهذا مجاز علاقته المحلية.
8- وعكس ذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الأَبْرارَ لَفِي نَعِيم} فإن النعيم لا يحُلّ فيه الأبرار بل يحلّن في محلّه وهو االجنّة،فالله أطلق الحالّ وأراد المحلّ فهذا مجاز علاقته الحالية.
و كما رأيت فكلّ هذه المجازات اعتمدت على علاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي،وهذا النوع من المجاز اللغوي يسمّى المجاز المرسل.
تذكّر:
تعريف المجاز المرسل:
المجاز المرسل هو كلمة تستعمل في غير معناها الأصلي و تكون فيه العلاقة بين المعنى المذكور والمعنى المحذوف هي غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
علاقات المجاز المرسل:
للمجاز المرسل ثماني علاقات:
1- السببية (المعنى المذكور سبب والمعنى المحذوف المقصود نتيجة له)
مثال: يد الله فوق أيدينا. (المعنى المقصود هو قوة الله لأن اليد سبب في القوة)
2- المُسَبَّبِية (المعنى المذكور نتيجة والمعنى المقصود المحذوف سبب له)
مثال: شرب هذا الرجل الأذى. (ذكرت المُسَبَّب والنتيجة وهو الأذى وقصدت السبب وهو الخمر)
3-الكلية (المعنى المذكور كل والمعنى المقصود المحذوف جزء منه)
مثال:شربت ماء زمزم (ذكرت الكل وهو الماء وقصدت جزءا منه)
4- الجزئية (المعنى المذكور جزء والمعنى المقصود المحذوف كل)
مثال:طلب عمر يد فاطمة. (طلبها كلها وليس يدها فقط ولكن اليد ذكرت لأهميتها في عقد الزواج كأن تستعمل للإمضاء ووضع الخاتم..)
5- المحلية (المعنى المذكور محل ومكان والمعنى المقصود المحذوف حالٌّ فيه)
مثال:كيف وجدت بيتك؟ (ذكرت المكان وهو البيت وقصدت الذي يحل فيه وهو الزوجة)
6-الحالِّية (المعنى المذكور حال في المعنى المقصود المحذوف)
مثال: وإنّ الفُجّارَ لفي جَحيمٍ. (ذكر الجحيم وقصد به محله وهو جهنّم)
7-اعتبار ما كان (المعنى المذكور هو الأصل والمعنى المحذوف حالة جديدة ناتجة عن الأصل)
مثال:نحن في الجزائر نأكل القمح ونلبس الصوف. (نحن لا نأكل القمح بل الخبز الناتج عنه ولا نلبس الصوف بل الملابس المصنوعة منه).
8- اعتبار مايكون (المعنى المحذوف هو الأصل والمعنى المذكور حالة جديدة ناتجة عن الأصل)
مثال: أوقدْ لنا نارا لنتدفأ بها. (أوقد لنا حطبا ليصبح نارا)
تدريبات على المجاز المرسل:
عين المجاز المرسل وبين علاقته:
قال تعالى: "واسأل القرية التي كنا فيها".
وقال أيضا:"فليدع ناديه سندع الزبانية".
وقال أيضا:"فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ".
وقال أيضا:"فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ".
وقال أيضا:"وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ".
وقال أيضا:"فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ".
نشرب القهوة في كل صباح.
وما مِنْ يدٍ إلا يَدُ اللهِ فَوْقَها ... ولاَ ظَالم إِلاَّ سيُبْلى بأَظْلَمِ
سكن الأمير عبد القادر دمشق.
لا تكن أذنا تتقبل كل كلام.
سرق اللص المنزل.